هل يعود نظام الحماية من البوابة الرأسمالية ؟

"دعه يعمل ..دعه يمر" .بالاستناد إلى هذين الموجهين بنى آدم سميث نظرية الحرية الاقتصادية التي أسس عليها النظام الرأسمالي . 


لم تكن مشكلة إغراق الأسواق تقلق البلدان الصناعية لأنها هي من كلن يغرق أسواق العالم .

ولذلك لطالما أنشأت النظريات الاقتصادية والتجارية التي تحرم الحماية الجمركية من منطلق أنها تتعارض مع الحرية الاقتصادية .


اليوم تثير مشكلة إغراق السوق العالمية بالمنتجات الصناعية والزراعية الرخيصة مشكلة حقيقية في نظام التجارة العالمية . كثير من الدول أخذت تفكر في مواجهة المشكلة بفرض نظام الحماية الجمركية من جديد ، الأمر الذي يتناقض مع حرية التجارة التي طالما نادى بها النظام الرأسمالي العالمي وعمل بقوة من أجل تطبيقها .


لقد ظلت الدول التي تفرض ضرائب جمركية لحماية صناعتها الناشئة ومنتجاتها الزراعية محل نقد منظمة التجارة العالمية التي تعمل وفقاً للمنهج المتبع بتحرير التجارة من منطلق أن الحماية الجمركية تخفي تدنياً في مستوى كفاءة الانتاج ، مما يعني حرمان شعوب هذه البلدان من المزايا التي يمكنهم الحصول عليها من تحرير التجارة .


ثم جاء الزمن الذي استطاعت فيه بلدان مثل الصين أن تغرق العالم بمنتجاتها الصناعية بأسعار رخيصة وبجودة منافسة ، مما أخذ يهدد بإغلاق الكثير من الصناعات في البلدان الصناعية المتطورة . 


أهم مثال على ما تثيره هذه المشكلة من تعقيدات اليوم هي تجارة الحديد والصلب والألومنيوم ، حيث أغرقت أسواق أمريكية وأوروبية ومنها بريطانيا بالمنتجات الصينية وبأسعار لم تستطع معها صناعة الحديد والصلب والألومنيوم البريطانية العريقة أن تصمد أمام هذاالاغراق ، حتى أن أكبر المجمعات الصناعية أصبح مهدداً بالإغلاق وتسريح آلاف العمال ما لم تسوى هذه المشكلة مع الصينيين . 


ولكن كيف تسوى ؟


الحجة التي ترفعها الدول الصناعية أمام الصينيين هي أن الصين لا زالت تنهج سياسة الدعم ، فهي تدعم منتجاتها بصورة مباشرة ، وغير مباشرة من خلال تقييمها لعملتها "اليوان" بأقل من قيمتها الحقيقية ، الأمر الذي يخفض كلفة الانتاج ، وهو ما يتنافى مع حرية التجارة ، لأن حرية التجارة تقوم على المنافسة ، والمنافسة لها شروط ومنها إلغاء الدعم للمنتجات التي ستدخل ميدان المنافسة في السوق الدولية . 


لم يصل الطرفان إلى حل بشأن مسألة الإغراق .ويوم أمس أعلن المتحدث الرسمي لرئيسة وزراء بريطانيا أن الحكومة البريطانية قد تفرض ضريبة جمركية بمقدار ٢٥٪ على الحديد و١٠٪ على الألومنيوم ، وكانت المشكلة قد ازدادت تعقيدا وتوتراً بين أمريكا والصين في الآونة الاخيرة . 


إن أكثر البلدان تحمساً لفرض الحماية الجمركية هي الولايات المتحدة الامريكية في الوقت الحاضر تحت قيادة ترمب الذي أعلن منذ أيام أن بلاده تخسر بلايين الدولارات في التجارة الدولية . وفي تصريح له فسر على أنه إعلان بدء حرب تجارية مع الصين ، قال "trade wars are good, and easy to win" (حروب التجارة ممتعة ، والانتصار فيها سهل ). 
ما الذي ينتظر العالم في ظل هذه المتغيرات ، خاصة وأن منظمة التجارة العالمية " الجات" صامتة وكأن ما يجري لا يعنيها ؟