رسالة إلى م. طارق عبده علي

إليك ياصديقي طارق عبده علي زميل دراستي وصديق الصبا. اليوم عرفت من الاعلام بانه قد صدر قرار بتغييرك من منصبك كمدير عام لمطار عدن الدولي. هذا امر لا خلاف عليه فالتغيير سنة الحياة. والعمل الاداري لا يتطور ولا يستمر الا بالتغيير. اخي العزيز لقد بذلت كل ما تستطيع من اجل ان يبقى ويستمر مطار عدن في خدمة عدن وأهل عدن وهمزة وصل بيننا وبين العالم. عندما هرب الكثيرين في حرب 2015 م كنت انت موجود وثابت.

هادى، وقور، حصيف، واضح وخبير يعرف ما يريد ويجيد عمل ما يجب عليه ان يعمله بدون ضجيج او زعيق. اول من وجدناك أمامنا عندما وصلت اول طائرة اغاثة بعد الحرب الى عدن. لم يكن هناك مطار على الإطلاق ولكن وجودك ورفاقك وزملائك خلقتم مطار من العدم. لا كهرباء ولا ماء ولا مدرج ولا صالات ولكن كل هذا لم يثنيك ولَم يكن عائقاً أمامكم لتفتحوا اول نافذة على العالم لتتنفس منها عدن بعد ان كانت مخنوقة من الحصار الجائر الظالم الذي فرضته علينا قوى الظلام العسكرو- قبلية الغازية من الشمال. كنت تتجول بهدوء وشجاعة. قُصف المطار وانت موجود لكي يمنعوا هبوط اول طائرة مساعدات سعودية. اصريت على البقاء وخجل الجميع حولك من مجرد التفكير بالمغادرة. واستمر العمل. مولد صغير للكهرباء، بوزة صغيرة للماء، باص هايس متواضع لنقل الركاب. اخترعتم برج مراقبة (سفري) بمساعدة الاشقاء من التحالف.

تستقبلون المساعدات وتقومون بافراغها من الطائرات بانفسكم وزملائك. لا سلالم ولا عربات ولكن كل هذا لم يكن ليثنيكم. اثبتم للعالم ان في المطار رجال بقلوب اسود وعقول عبقرية تُجترح المآثر وتسخر وتطوع وتلين كل شيء لتجعله مفيد وصالح للعمل. اجترحتم المعجزات بشهادة الجميع. لم يكن احد ليصدق ان هذه المساحة الخربة المهدمة والمدمرة يمكن ان تكون مطار ويستقبل الطائرات محملة بالمعونات ويودعها محملة بعشرات الجرحى والمرضى.
اخي طارق لقد ساهمت في فتح اكبر واهم شريان للحياة في عدن. أنقذتم وزملائك ملايين المحاصرين الذين كانوا ولا زالوا بحاجة للغذاء والدواء وساعدتم الالاف من الجرحى والمرضى الذين بحاجة للعلاج في الخارج.عملتم في اصعب وأشد الظروف قتامة وقساوة وخطورة في تاريخ عدن الحديث.

كان يمكنكم المغادرة مع اول طائرة وحتى قبل ذلك بكثير ولكن هي عدن فقط وحبكم لها من منعكم من ذلك. كان لسان حالكم يقول ( اذا غادرنا نحن فمن لعدن؟).
اخي طارق نعرف انك عانيت أشد المعاناة. عملت مع الجميع وخاطبت الجميع. توسلت الى الجميع وهددت من الكثيرين. قدمت الخطط وأعددت الاحتياجات والبرامج كل يوم وكل ساعة حتى يعود مطار عدن الى ما هو عليه اليوم. نعرف ان ذلك لم يكن سهلاً بل حتى خَيل إلينا حينها انه مستحيل. ولكن انت طارق عبده علي رمز من رموز عدن والجنوب ومن متى كانت عدن الجنوب تعرف كلمة مستحيل.
اخي طارق حينها عندما كانت الطائرات تتحين الفرصة بين قذيفة وقذيفة لتهبط حاملة بعض الاغاثة وتغادر وعلى متنها الكثير من المرضى والجرحى كنت انت تحوم وتدور حول وفِي ومن والى المطار. تستخرج تراخيص التحليق واوراق المغادرة. امن وسلامة الطائرات كان يقلقك كثيراً اما تموينها وتجهيزها كان امر يصيبك بالرعب ولكنه لا يمنعك من الإنجاز. حينها كنت انت الوزير والمدير والغفير. كان الكل ينظر إليك بتوجس ونحن نتساءل هل تستطيع الطائرة الهبوط ؟ هل ستقلع بأمان ؟ وكنت انت كما انت دوماً هادى وواثق من نفسك ومن قدرات طاقمك. ابتسامة معتادة خفيفة ثم نظرة ثاقبة منك الى الجميع ثم اجابة بسيطة واضحة ومحددة. نعم. لا تقلقوا.
اخي طارق عبده علي عدن واهلها والجنوب معها كانت تعتقد ان الوقت لم يحن بعد لكي يقال لك شكراً على كل ما فعلت. كنا نعتقد انه لا زال أمامك من الوقت والعمل الكثير. شكراً لك ياطارق ياسعادة الوزير والمدير والغفير لمطار عدن الدولي عندما لم يكن له احد الا انت وزملائك بعد تسهيل وتوفيق من الله.
اخي طارق لقد أوفيت مع عدن واهلها والجنوب واهله ووصل وفائك الى كل مدينة وحارة وبيت في الجنوب والشمال. اعرف انك لا تحب ان نقول ذلك ولكن أيضاً عليك ان تعرف ان عدن واهلها لا ينسون من لم ينساهم. ولا زالت ارضك وناسك ينتظرون منك الكثير لأنك احد صناع النصر ومن اهم صمامات امان المستقبل. وَيَا قافلة عاد المراحل طوال. تحياتي
اخوك
ا. د. عبدالناصر الوالي