عن النوايا التركية في اليمن

احتاج الأتراك إلى أربعة أيام فقط لترجمة قرار مجلس الأمن الدولي 2451 المتعلق بتثبيت ما اصطلح على تسميته باتفاق السويد والذي أنجز في 13 ديسمبر 2018. بهذه الصورة المستعجلة جاءت دعوة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لعقد مؤتمر دولي في أنقرة لبحث الأزمة اليمنية، وحدد العاشر من يناير 2019 موعدا للمؤتمر الذي لم يفصح عن أهدافه غير أنه يأتي ضمن جهود تركيا في الشرق الأوسط.

التقط الأتراك التجاذبات التي سبقت طرح القرار البريطاني 2451 خاصة تلك النقطة الخلافية المتعلقة بإدانة الدور الإيراني في اليمن، وهي التي حاولت الولايات المتحدة إدراجها ضمن القرار الأممي، إلا أن تهديد روسيا باستخدام حق النقض “الفيتو” جعل الأميركيين يتراجعون لتمرير القرار الذي يمثل في واقع الحال غطاء لعمل فريق المراقبة الأممي لوقف إطلاق النار في الحديدة.

اللافت في الاستعجال التركي أنه يستبق الإجراءات والتراتبية المتوافق عليها بحسب خطة المبعوث الأممي مارتن غريفيث، والتي تبدأ من تثبيت الهدنة وإدارة موانئ الحديدة الثلاثة (الحديدة والصليف ورأس عيسى) مع إعادة انتشار كافة القوات العسكرية الموالية للشرعية وميليشيات الحوثي، ثم تبدأ المرحلة الثانية بعقد مفاوضات الإطار السياسي التي يجب أن تكون في نهاية يناير 2019. فلماذا تستعجل تركيا الخطوات المتوافق عليها بالدعوة لعقد مؤتمر يبحث في الأزمة اليمنية؟

التدخل التركي يهدف أولا لإبقاء التنافسية على ميناء الحديدة؛ فهذا الميناء ترى فيه تركيا موقعا أساسيا لوجودها العسكري في البحر الأحمر، فبعد أن وضع الأتراك أقدامهم على الخليج العربي بإنشائهم أول قاعدة عسكرية خارج الحدود التركية في قطر (يونيو 2017)، قامت تركيا بإنشاء قاعدة عسكرية في الصومال لتقترب من الساحل الغربي لليمن الذي ترى فيه الإستراتيجية التركية ضرورة لازمة لتتواجد فيه على اعتبار الطموحات التركية التوسعية.

كما تهدف تركيا لتدعيم موقف مؤيديها من إخوان اليمن الذين يفرضون وجودهم العسكري في وسط البلاد عبر ألوية برية كبيرة في مأرب. ولقد راهنت جماعة الإخوان المسلمين على الدور التركي طويلا خلال سنوات الحرب في اليمن ومنها تحققت توازنات الإخوان العسكرية في تعز التي ظلت مرهونة لحساب معركة تحرير الحديدة. وظلت تعز تمارس دور الابتزاز كلما تقدمت القوات الإماراتية في طول الساحل الغربي، بل إن تعز شهدت حملات مناهضة للتحالف العربي خاصة مع تقدم ألوية العمالقة الجنوبية في جنوب الحديدة وإعلان العميد طارق صالح على رأس تشكيلات حراس الجمهورية.

الهدف الثالث للدعوة التركية يأتي في محاولة واضحة لمنح الحليف الإيراني دورا سياسيا في اليمن بعد سنوات طويلة عجزت فيه إيران عن أن تجد لها مجالا لتتواجد سياسيا، خاصة بعد أن نجحت المبادرة الخليجية في تحصين اليمن من مساعي التدويل برغم الانقلاب الحوثي على المؤسسة الشرعية. فلقد ظل الدور الإيراني منعدما ولم تستطع تقديم العون لذراعها الحوثية، وتبدو المناورة التركية أنها تمنح الإيرانيين مجالا لمساعدة الحوثيين في تثبيت موقعهم السياسي في خارطة اليمن ما بعد الحرب.

الدعوة التركية لم تأت من الفراغ فلقد دعت توكل كرمان في سبتمبر 2018 للتدخل التركي في اليمن عبر مؤتمر ممول من دولة قطر، استقطب العديد من الشخصيات المنتمية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وشكل نقطة ارتكاز لعقد مؤتمر دولي لبحث الأزمة اليمنية خارج نطاق الإقليم العربي ومتجنبا جهود الأمم المتحدة، وما وفرته تلك الدعوة من أفق جاء من خلاله التحرك التركي.

هذه الدعوة التركية سترافقها بالتأكيد حملة إعلامية موازية سيكون لقناة الجزيرة فيها النصيب الأكبر وستضع الحكومة الشرعية تحت الضغط السياسي والإعلامي، خاصة مع استحواذ العناصر الإخوانية على الشرعية مما ستبدأ معه مرحلة ابتزاز سياسي للمملكة العربية السعودية التي تدرك أن تدويل الأزمة اليمنية يعني وبشكل مباشر خسارتها لسنوات من جهودها في احتواء الأزمة اليمنية على كافة المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية وكذلك الإنسانية. وهذا ما سيجعل من الرياض أمام خطوة استباقية باحتواء القضية الجنوبية والاحتفاظ بالجغرافيا الجنوبية كامتداد آمن أثبتت التحولات اليمنية أن الجنوبيين درع يمكن الاحتماء به من شمال متذبذب الولاءات.