عضو برئاسة الانتقالي لـ(المشهد العربي): قيام دولة الجنوب لا مفر منه.. وعلينا مسؤولية بنائها وفقًا للتصالح والتسامح

الأحد 13 يناير 2019 02:02:00
عضو برئاسة الانتقالي لـ(المشهد العربي): قيام دولة الجنوب لا مفر منه.. وعلينا مسؤولية بنائها وفقًا للتصالح والتسامح
حوار- رعد الريمي

تحفل ذاكرة الجنوبيين في المحافظات الجنوبية بكثير من المشاهد المأساوية لذكرى أمعن النظام السابق في فض أي احتفالات بها؛ إنها ذكرى التصالح والتسامح الذي أجمع جميع الجنوبيين فيها على دفن الماضي ومآسيه، وفتح صفحة جديدة للمضي نحو الهدف الرئيسي والانطلاق نحو المستقبل لتحقيق تطلعات استعادة الدولة الجنوبية.

وبمناسبة الذكرى الـ"13" للتصالح والتسامح، تحاور (المشهد العربي) مع القيادي بالحراك الجنوبي سابقًا وعضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي أمين صالح محمد، الذي تطرق إلى علاقة ذكرى التصالح والتسامح بقيم المجتمع، ولماذا فشل النظام في الشمال في زعزعة يوم التصالح والتسامح، ومحاصرة الأنانية التي تُعد أحد نقائض التصالح والتسامح، وغيرها من القضايا التي كان أمين صالح دبلوماسيًا في أجوبته تجاهها، حيث كانت هذه المحصلة:

أمين صالح: في البداية أحييكم في (المشهد العربي) وأحيي شعبنا العظيم في الجنوب الصامد الصابر على المسار الطويل والكبوات التي تعترض مسيرته –مسيرة الأمل والطموح– نحو صنع مستقبل مشرق لأجياله الصاعدة، وبهذا الصبر والصمود والاستمرار في النضال سيتحقق أمله بإذن الله ويحقق الرفاهية والسعادة لأبنائه، وبالعودة إلى أسئلتكم.

- إن ذكرى التصالح والتسامح تحولت ليوم وطني وهدف من أهداف الثورة الجنوبية، كيف يجب علينا أن نرسخها في معاملتنا اليومية وننتقل بها إلى غيرها من أهداف الثورة الجنوبية؟

أمين صالح: إن من أفضل السمات لأي شعب أن يبحث عن القيم النبيلة ويحتفي بها ويجعل لها مناسبة يعتز بها كيوم وطني يلفت من خلاله الانتباه إلى أهمية هذه القيم وضرورة التمسك بها وجعلها سلوكًا عامًّا وثقافة مجتمعية، لأنّ أي مجتمع يستطيع أن يتصالح مع نفسه، ويستطيع من خلال سلوكه المتسامح أن يبلغ المجد الذي يريده، وهذه الثقافة أصبحت بالنسبة لنا في الجنوب ضرورة وطنية بعد أن ذقنا مرارة ونتائج الصراعات الناتجة عن ثقافة التعصب والتطرف الثقافي غير المتسامح التي مازلنا حتى اليوم نعاني من بعض آثارها، وهو ما يتطلب من الجميع بذل جهود كبيرة لتجاوزها من خلال عمل رسمي وغير رسمي، وإرساء ثقافة التسامح التي تشمل كل جوانب حيات مجتمعنا الجنوبي، ولكن يجب الإدراك أن ثقافة التسامح لا تعني الاستسلام والقبول بالسلوكيات الهدّامة المضرة بالمجتمع، وفتح الباب لأصحابها لتحقيق رغباتهم الشريرة تحت هذا المبدأ، فالمرتشي والمعتدي على حقوق الغير، والمتقاعس عن القيام بواجباته الوظيفية العابث بالنظام العام، والقاتل والمفسد في المجتمع، والمستغل لوظيفته لتحقيق الكسب غير المشروع، وغيرهم من أصحاب القيم الهدامة المضرة بالمجتمع وحياته الطبيعية وتوجهه نحو المستقبل المشرق في تحقق عزته وكرامته ورفاهيته، فهؤلاء لا يمكن أن يكونوا أشخاصًا متسامحين، بل هم من يصنعون ثقافة الكراهية والحقد والصراع، ولهذا يجب مواجهتهم لتغيير سلوكهم وتحويلهم إلى أعضاء فاعلين في المجتمع ومخلصين لخدمته أو على الأقل تحييدهم وإبعادهم عن موقع القدرة على إحداث الضرر في المجتمع وإنتاج الصراع والفوضى.

- إن القوى المعادية للجنوب التي لا تريد الخير والسلام والانتصار للجنوب تجتهد لتوزيع الفتنة والتفرقة بيننا من خلال استغلال هذه المناسبة والعمل على إنكار التاريخ، كيف يمكن التعامل مع مثل هذه التوجهات؟

أمين صالح: تُعد ثقافة المؤامرة والتآمر هذه ثقافة انهزامية، ففكرة المؤامرة موجودة في التاريخ، ولكن لا يمكن تنفيذها إلا داخل مجتمع غير محصن منها، والمقصود بغير محصن أن المجتمع نفسه يكون متصارعًا بسبب الظلم والفساد الذي يصنع التمايز بين أفراد المجتمع –واتساع رقعة التناقض داخله بين ظالم ومظلوم وبين فاسد ومفسد ومتضررين– فتختل العلاقات بين الناس وينشأ الحقد والكراهية والصراع مما يفتح الباب للآخرين لاستغلالها والدخول من باب إعانة المظلوم على الظالم، والمظلوم عندما تنقطع به السبل في مواجهة الظلم الواقع عليه دون رحمة أو ضمير يكون مستعدًا للارتماء في حضن الشيطان ليقويه على من يشعر أنه يظلمه ويصبح عمله مشروعًا، وهكذا تتحقق المؤامرة، ولهذا يجب أن نحصن أنفسنا منها بالعدالة والنظام والقانون والإخلاص لبعضنا البعض من خلال بناء الدولة القادرة على تحقيق هذا الهدف في العدالة والمساواة وفي الحقوق والواجبات، وإذا تحققت العدالة والمساواة، لن يلتفت أحد إلى مساعدة الآخرين، وهذا يتطلب أيضًا وجود توجهات نحو خلق تنمية تجعل الدولة عنصرًا فعالًا وقادرًا على تلبية حاجة العدالة والمساواة.

- هل الاحتفال بذكرى التصالح والتسامح يمثل ركيزة من ركائز الحوار الجنوبي الذي كان قد دعا له رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي؟

أمين صالح: لا، لكن الاحتفال بذكرى التصالح والتسامح يمثل توجهًا عند المجلس لجعله يومًا وطنيًا في إطار تعزيز ثقافة وسلوك التصالح والتسامح في المجتمع، وتحويله من مطلب إلى ثقافة عامة وسلوك مجتمعي وقيمة من القيم المقدسة عند المجتمع، أما الدعوة للحوار الذي دعا لها الرئيس عيدروس هي منطلقة من هذا التوجه نحو تعزيز ثقافة التصالح والتسامح كي نوجد مجتمعًا متصالحًا مع ذاته ويصبح قادرًا على تحقيق طموحاته في العزة والكرامة.

- إلى أي غرض تعد فعالية التي هي بالأساس حدث دال على ردم مأساة وإصرار على استرداد الدولة الجنوبية؟

أمين صالح: نعم، تم اختيار 13 يناير يومًا وطنيًا للتصالح والتسامح، كي نحول المأساة التي شهدها شعبنا في الجنوب عام 1986م والتي كانت من أسوأ الكوارث على شعبنا على الإطلاق، وهي التي مزقته وأوصلته إلى ما وصل إليه، ونجعل هذا اليوم هو نفسه يومًا للتصالح والتسامح ومؤشرًا لنسيان الماضي والنظر إلى المستقبل كعنون لنهوض الشعب من كبوته وانطلاقه نحو المستقبل لتحقيق تطلعاته ودفن الماضي الذي يجعله أسير معاناته بكل مآسيه، وكأننا نقول نحن أولاد اليوم ولم نعد نلتفت إلى الماضي الأليم إلا كعبرة نتعظ منها، وهذه الفكرة نشأت كرد على ما كان يقوم به نظام صنعاء وعلى رأسهم علي عبد الله صالح من محاولة استثارة الجنوبيين ضد بعضهم وزرع الفتنة في الجنوب من خلال إثارة تلك المأساة بشكل مستمر في خُطَبِه وإعلامه وتجنيد بعض الضحايا وأُسَرهم لإثارتها وما قام به من نبش مقابر ضحايا تلك الصراعات وإخراج رفاتهم لإثارة الفتنه كما حدث في الصولبان، وكما كان يريد تكراره في معسكر طارق الذي دَفعنا إلى الاعتصام في المكان على مدى عشرة أيام لمنعه من ذلك، وأنا اعتبر ذلك الاعتصام عامل تحول إيجابي وفعّال في مسار الثورة الجنوبية وفكرة التصالح والتسامح، وهذا كان عام 2006م حيث اجتمع في هذا الاعتصام كل الفرقاء، وتمت بعده مواصلة اللقاءات والبحث عن الوسيلة المناسبة للرد على ذلك العبث بمصير شعب اُستهدف من قِبل رأس النظام الذي يفترض أن يكون أكثر حرصًا على عدم إثارته وأكثر شخص يجب أن يعمل على إحلال السلم والتعايش بين أفراد مواطنيه إن كان يؤمن حقًا بأن الوضع هو وضع وحدوي، واستمر التواصل بين النشطاء إلى أن أُعلن أول فعالية للتصالح والتسامح من جمعية ردفان عام 2006م، وتوالت ملتقيات التصالح والتسامح في الضالع ثم أبين ثم شبوة ثم يافع، وأخيرًا حضرموت ولحج وعدن، كما أن ذلك العمل كان هو الأساس لانطلاق الحراك الجنوبي عام 2007م باسم جمعيات المتقاعدين الجنوبيين العسكريين والمسرحين قسرًا، وهذا الحراك هو الذي أعد الشعب في الجنوب لأن يكون شعبًا مقاومًا، وتحققت نتائجه بالانتصارات الباهرة في صد الغزو الشمالي الثاني على الجنوب الذي قام به الحوثيون ونظام علي عبد الله صالح عام 2015م، ومن خلال هذا النصر أصبح قيام الدولة في الجنوب أمرًا لا مفر منه، وإن وقفت عوائق في هذا الطريق فإنها ستقود إلى أحد الأمرين؛ إما أن تتم إزالتها ويتحقق حلم الجنوبيين في استعادة دولتهم، وتقع عليهم مسؤولية إعادة بنائها وفقًا لثقافة التصالح والتسامح، أو أن تكون الإعاقة دائمة، وهنا ستكون سببًا في تفجر صراع جديد وحرب جديدة غير هذه الحرب، وقد تمتد تأثيراتها إلى أماكن أخرى، وهذا ما لا نتمنى حدوثه.

- زرع النظام اليمني مشاكل كثيرة من خلال إذكاء نزاعات كالثأر، والمناطقية، وزرع الفتنة بين المكونات الجنوبية، والقبلية، والاجتماعية، والسياسية، لتغييب مبدأ التصالح والتسامح الذي سيقوده الجميع نحو المستقبل المشرق للجنوب، إلى أي مدى نجح في ذلك؟

أمين صالح: حاول النظام في الشمال ذلك، ولكنه فشل لسبب واحد، لأنه هو نفسه غير متصالح مع ذاته، ولهذا تحولت جهوده إلى وبال عليه، وهو يعاني اليوم من تلك النتائج، لكنه أيقظ لدينا الفكرة في أهمية هذا المشروع التصالحي مع الذات، وبالرغم من أننا قطعنا شوطًا عظيمًا في هذا الاتجاه، إلا أننا اليوم ما زلنا نعاني من بعض سلوكيات نظام صنعاء الذي ما زالت لم تنته جذوره بشكل كامل مثل الرشوة، والفساد، والمحسوبية، وعدم احترام النظام، وسرقه المال العام، والسطو على الممتلكات الخاصة والعامة، وهذه السلوكيات اليوم مزدهرة بعض الشيء في الجنوب بسبب غياب دور الدولة، واستمرار الماضي وذيوله في التحكم بالشكل السياسي للدولة الغائبة، وسيظل استمرار هذه السلوكيات مرتبطًا باستمرار غياب دور الدولة أو استمرار عناصر الفساد في الهيمنة عليها، ولا مفر في الانتهاء من الحرب التي أصبح الجنوبيون جزءًا فعالًا فيها أن يفرض الجنوبيون السيادة على أرضهم سياسيًا وإداريًا، وهنا سيكونوا أمام الاختبار الصعب لقدراتهم وثقافتهم التصالحية مع ذاتهم التي تتجلى بقدرتهم على تطبيق النظام والقانون وصيانة حقوق الناس وكرامتهم وقدرتهم على عكسها فعلًا في السلوك العام، ومن أجل ضمان النجاح ينبغي علينا العمل من الآن على صنع إنجازات على الأرض بهذا الشأن، وهذا يتطلب منا أولًا تحقيق اصطفاف وطني جنوبي يقوم على قاعدة التصالح والتسامح والتضامن وتحقيق مصالح الشعب.

- بعد رفضه كل أصناف نبش الماضي وصراعاته، كيف يمكن أن يتبنى الانتقالي من خلال كافة هيئاته ويسعى لتعزيز المصالحة الجنوبية الشاملة؟

أمين صالح: هذه مهمة رئيسية أمام جميع هيئات المجلس، ونحن الآن بصدد تحقيق ذلك من خلال مبدأ الحوار الذي دعا له المجلس.

- ما أهمية هذه المناسبة في ظل الجهود السياسية، والفعل المعاكس الذي يستهدف الجنوب وتصاعده هذه الأيام وتحت عناوين مختلفة؟

أمين صالح: أصبح الجهد السياسي الجنوبي اليوم متقدمًا، وأصبحت ردود الفعل تجاهه عاجزة عن تحقيق أهدافها، وينبغي ألا يُلقى لها بال بقدر ما يجب أن نعزز جهودنا نحو خلق الاصطفاف الجنوبي، ونعزز ثقافة التصالح مع الذات، ونواجه السلوكيات الشاذة من خلال عمل منهجي ومنظم، والعمل على تحجيم النزعة الذاتية والأنانية المقيتة والمدمرة للذات الجنوبي، لأن الأنانية هي أحد نقائض التصالح والتسامح التي ينبغي محاصرتها كي لا يكون هذا المرض مرضًا قاتلًا، وهذا يتطلب من الجنوبيين مغادرة ثقافة المدح والتطبيل الشخصي لأي كان، لأن التطبيل يصنع الغرور والتسلط، ويتحول إلى مرض، ومصلحتنا كمجتمع ألا نصاب به، وقد جربنا كثيرًا هذا النوع من التطبيل، وكيف كانت نتائجه، وكانت آخر هذه التجارب مع علي عبد الله صالح، وإلى أين قاد ذلك السلوك الذي ما زلنا حتى اليوم ندفع ثمنه، وإن كان لا بد من التطبيل، فنطبل لشعبنا ونصنع الحكايات والأساطير حوله التي تحفز المجتمع كله وتخلق الاعتزاز عند كل فرد فيه ليزيدوا إخلاصهم له.

- تشهد عدن قلب الجنوب ومركزها عدن حالة فلتان وفوضى سببها أطراف معروفة أدت إلى تدهور شامل وخطير، هذه وغيرها تعتبر تطورات قد تقوض وتهدد التصالح والتسامح والسلم الأهلي، هل لديكم مبادرة لإنقاذ عدن أو إن وجدت ما هي عناصرها وأطرافها والشركاء فيها؟

أمين صالح: ما تشهده عدن اليوم من فلتان هو نتائج غياب الدولة، واجترار سلوكيات وفساد نظام صنعاء البائد، وهذا مؤشر على أهمية وجود الدولة مهما كان ضعفها، فوجود الدولة أفضل من عدمه، أما أن تقوم بعض الأطراف باستغلال هذا الفراغ الناتج عن غياب الدولة، فهذا أمر طبيعي، لأن الشواذ موجودون دائمًا وفي كل مكان، وهنا يصبح وجود الدولة مهمًا لمواجهة أفعالهم المضرة بالمجتمع، والشي السيئ اليوم هو أن بعض الأعمال السيئة تتواجد فيها عناصر أمنية وعسكرية، وهذا يتطلب منا اليوم عملًا جادًا في تحقيق اصطفافًا جنوبيًا، وبناء مؤسسة أمنية وقضائية فاعله، والتخلص من الشوائب فيها، وتحقيق الأمن ولاستقرار، وهذا يتطلب منا كجنوبيين التوافق وإنجاز بعض الخطوات العملية التي تنهي معاناة الشعب في الجنوب باعتبارها مناطق محررة، ولا مبرر لاستمرار الأوضاع المتدهورة والمعاناة فيها.