أين هي حسن النوايا؟

في أحوال الحروب والمفاوضات تقاس الأمور من منظور حسن النوايا التي يقدمها كل طرف، وهي تعبير إنساني محض في المقام الأول تجاه الأسرى ممن وقعوا في الأسر وطال أمد معاناتهم، وهم قطعا جزء من هذا المجتمع، لديهم أسر وأولاد يكابدون شتاتا وآلاما لا حدود لها بحكم وقوع آبائهم أو أبنائهم في قبضة الأسر لا يعلمون شيئاً عن طبيعة أوضاعهم، حتى أن الزيارات غير متاحة لأسرهم.. 

فإذا ما أخذنا الأسر من هذا المعيار فإنه لا يمكن بأي حال الحديث، فمعطيات سنوات من المأساة الدامية تشير إلى غياب الإحساس الإنساني بمعاناة الأسرى للأسف ما يجعلنا أبعد تماماً في الحديث عن حسن نوايا، فأي نوايا حسنة عند من يشد قبضته على أسرى ضعفاء من أبناء جلدته.. فهل خضعت هذه المفصلية للتأمل من قبل أطراف الحرب؟ وهل يدرك هؤلاء أن الأسرى بشر مثلهم، وأن الحرب وتبعياتها هي من ولدت عقدة ومأساة هؤلاء القابعين خلف الجدران منذ سنوات، حتى أن الكثير منهم لا يعرف أهلهم عنهم شيئاً. 

فهناك حالات مؤلمة للغاية، أذكر أن أحد الآباء ظل يعرض قضيته على كافة الجهات في صنعاء ولم يستطع تحديد مكان ولديه الاثنين اللذين تم أسرهما من منطقة صبر بلحج.. المواطن سعود العبادي الذي لا يعرف عن أسراه شيئاً رغم تعرضه للابتزاز والمعلومات الكاذبة عنهم أثناء متابعاته.. هذا الرجل حكى لي تجربة مريرة للغاية عن ما واجهه من عدم تعاطي الجهات المعنية معه، حتى إنه لم يعرف بعد كل هذه السنوات مصير ولديه للأسف.

 إذن المجتمع الدولي يتحدث عن ضرورة إنجاز هذا الملف الذي يفترض أن تكون الأطراف المعنية هي المبادرة للتسريع بإنجاز الخطوة التي هي إنسانية بالمقام الأول، ثم إن النتيجة المرجوة من تحفظ الأطراف على الأسرى لا تمثل شيئاً ذا أهمية فيما يتعلق بصلب الحرب أو العملية السياسية.. المسألة إنسانية في كامل طابعها وليست ورقة مراوغة.
واقع يمكن أن نشير معه إلى الاختراقات المتعددة لاتفاق السويد، وهي الاختراقات التي تغيب معها أولوية الأسرى للأسف.. ما يعني أن فكرة التسوية التي لا تبنى على حسن نوايا جدا معقدة، بل معرضة للانهيار في كل لحظة، ما يدعو الهيئات الدولية للأخذ بمثل هذه الأولويات باعتبارها الجسر الذي يمهد للتسوية.. فالحرب في تبعياتها الإنسانية لاشك مؤلمة، بل فضيعة للغاية.

 وأن يحكّم كل طرف الضمير الإنساني والأخلاقي فهذا معناه أننا على مقربة من استعادة آدميتنا المفقودة تحت وابل الطلقات النارية.