الجنوبيون وروح مارس 2015

هناك لحظات فارقة في تاريخ الشعوب تذوب فيها اختلافاتهم وتبايناتهم وصراعهم وتنصهر إرادتهم في بوتقة واحدة تمثل إرادة جمعية واحدة ...

في المستوى البسيط يجتمعون حول بيت شعر أو قصيدة أو أغنية أو شخصية روحية أو اجتماعية وربما سياسية أو منتخب رياضي ، وفي المستوى المركب يجمعهم حدث كبير وهدف وطني ينسيهم كل اتجاهاتهم السياسية وتناقضاتهم الفكرية وانتماءاتهم المناطقية ويبث فيهم روحا موحدة وعزيمة واحدة وسعيا في طريق واحد يتسابقون فيه للفداء والتضحية ويدافعون عنه بلسان واحد وإصرار لا يلين .

وبعيدا عن الحديث النظري فإننا نستطيع ملامسة تلك اللحظات الفارقة في واقعنا الجنوبي ، وخصوصا في مستواها المركب ، من خلال بعض الأحداث والأهداف الكبيرة التي عاشها الشعب الجنوبي في تاريخه السياسي الحديث من مثل :

- إدخال النظام التعليمي الحديث في المحميات حيث كان المواطنون يتسابقون في تقديم منازلهم وعقاراتهم الشخصية في المراحل الأولى من بدء إدخال هذا المنجز بروح وطنية عالية .

- مطلب السعي لإقامة اتحاد كونفدرالي
- مطلب التحرر من الاستعمار
- حدث الكفاح المسلح
- حدث الاستقلال

حتى المنشآت التي بناها الاستعمار البريطاني لخدمة مصالحه والتي كان فيها أيضا مصلحة وطنية مثل المصافي والمطار ولجنة أبين الزراعية فإن الشعب توحد حول ضرورتها وساهم في الحفاظ عليها وتجنب الثوار استهدافها أثناء مرحلة الكفاح المسلح .

غير أن أكبر لحظة فارقة في رأيي كانت في مارس عام 2015م عندما هب الشعب الجنوبي عن بكرة أبيه مدافعا عن الجنوب بالكلمة والمال والبندقية والدم والروح ضد الغزو الشمالي الثاني وتناسى الجنوبيون كل صراعاتهم الماضية واختلافاتهم السياسية والفكرية وانتماءاتهم المناطقية وانصهرت إرادتهم في بوتقة واحدة توحد فيها من كانوا جزءا من السلطة ومن كانوا خارجها ومن كانوا في الداخل ومن كانوا في الخارج : سياسيون ومثقفون وعلماء دين وعسكر وشباب وطلاب ومرأة ومشائخ وقبائل من كل مناطق الجنوب انهمروا الى عدن والى مواقع المواجهات في مناطقهم المختلفة بروح واحدة وعزيمة واحدة وهدف واحد هو تطهير الجنوب من جحافل الغزو وطرد جيش الغزاة من كل تراب الجنوب واستمروا في هذا لأشهر حتى استطاعوا ، وبدعم ومؤازرة من قوات التحالف العربي، تحقيق النصر ورد الغزاة على أعقابهم وطرد ما يقارب 48 لواء وقوة عسكرية شمالية كانت جاثمة من قبل فوق صدور الجنوبيين .

ذابت حينها كل مخلفات الصراعات القديمة بين الجنوبيين وتلاشت كل مسافات التباعد التي كانت تفرق صفهم وأمام هذا الاصطفاف الجنوبي والوحدة الجنوبية لم تستطع قوات الغزو ولا جحافل ألويتهم التي كانت موجودة قبل الغزو أن تنتصر عليهم وتخضعهم لإرادتها كما حصل عام 1994 م .

إننا اليوم وكل يوم في حاجة ماسة ،كجنوبيين، لاستدعاء هذه اللحظة التاريخية الفارقة وهذه الروح : روح مارس 2015م، والتذكير بتفاصيلها وتعزيزها من خلال العمل السياسي والإعلامي والإرشادي والاجتماعي والثقافي، ونشر خطابها الوطني بكافة وسائل التوعية والتنوير وبمختلف أساليب الكتابة والخطابة والفن والوعظ، لإزالة ما استجد من بعد هذه اللحظة من تشوهات مست صميم وحدتنا الجنوبية وأنست البعض كثيرا من تفاصيلها الرائعة .

ويجب علينا أن ندرك بأن خصوم الجنوب وأعداء المشروع الجنوبي لم يكونوا مسرورين بتلك الوحدة والاصطفاف الجنوبي وعملوا ومازالوا يعملون ولن يكلوا عن العمل على ضربها بكل ما استطاعوا وبمختلف الأساليب والطرق التي من أهمها : الاستقطاب بالاغراءات ( المناصب والمال) ، وبعث منازع الصراعات السياسية القديمة، وإشعال جذوة الخطاب والتحريض المناطقي بين الجنوبيين، وزرع الشكوك بين القوى والمكونات والشخصيات السياسية الجنوبية .