همس اليراع

الناشطون الكسالى

سأتحدث عن الناشطين الذين يقدمون أنفسهم تحت مسميات لا يمتون لها بأية صلة، إلا صلة الانتحال والخديعة.

فقد تكاثرت المسميات مع تكاثر المواقع الصحفية والإعلامية والمنصات وشبكات التواصل الاجتماعي، بحيث صار بمقدور من يكتب صفحتين من الكلام المحشو بالفراغ، المفكك، الخالي من أي مضمون، المملوء بالأخطاء اللغوية والإملائية أن يقدم نفسه على إنه قيادي في "المكون الفلاني" أو باحث في "التخصص العلاني" أو ناشط في ما لا ينشط فيه.

لست معنيا بكل ما ينشر في الفضاء الرقمي الذي صار يتسع لكل ما له معنى وما لا معنى له، لكن ما يثير العجب والأسف أن يقوم بعض العارفين (كي لا أقول الضليعين) في فهم خلفيات وأبعاد ومعالم وتاريخ قضية مشهودة للقاصي والداني كالقضية الجنوبية لينبروا صارخين: "الإمارات تخطط لتمزيق اليمن وتفكيك وحدته الوطنية".

أحد الأصدقاء كتب بالأمس منشورا يتهم فيه دول التحالف العربي بأنها لا تدعم الشرعية بل إنها تدعم الانقلاب على الشرعية في عدن وسقطرة وأبين، ويتهم الدولتين الشقيقتين (السعودية والإمارات) بأنهما تريدان "تمزيق اليمن شر ممزق".

لا يستطيع هذا الصديق ولا أحد من نفس العينة أن يجيب على الأسئلة : أي يمن تعني؟ الذي مع الحوثي؟ أم الذي مع الإصلاح والشرعية؟ وأي وحدة وطنية تلك التي تتحدث عنها؟ وأين هي؟ وما الذي أبقيتموه بلا تمزيق لتمزقه الإمارات والسعودية؟

سنفترض حسن النية ونعتقد أن هذا شغل "الناشطين الكسالى" وهي من المفارقات التي تصبغ المشهد السياسي اليمني، فمفردة "الناشط" جاءت من الفعل "نشط" أي صار نشطاً ونشيطاً ولا يمكن أن يكون كسولاً، لكن اليمن هي البلد الوحيد الذي يصف الكسالى فيه أنفسهم بأنهم ناشطين.

الناشط يجهد نفسه ويبحث في المصادر وينقب في المراجع ويدرس العوامل والخلفيات، ويدقق في الأسباب والمؤثرات ولا يرمي الهذيان جزافا ليحاول البرهان على ما قد دحضته كل الأحداث منذ عقود، . . . الناشط لا يصدر حكما إلا بعد أن يرفقه بالبراهين والمبررات والمؤيدات الواقعية المقنعة.

لن أخوض طويلا في ظاهرة سوق التشكيكات وتوزيع صكوك الوطنية واتهامات الخيانة وغيرها لكنني هنا أقول للزملاء والأصدقاء وغيرهم ممن يعتقدون أن الإمارات أو السعودية أو أية قوة في الدنيا هي من تقف وراء سخط الجنوبيين إزاء المظالم التاريخية بحق الشعب الجنوبي: إنتم إما مخدوعون أو مخادِعون.

هل نحتاج لتذكيركم أن الجنوب تعرض للاجتياح والاحتلال منذ عام 1994م وظل أبناؤه ضحايا الإقصاء والتهميش والتضييق مذ ذاك؟
هل نذكركم أن الرفض الجنوبي والسخط الجنوبي ضد نتائج 7/7 قد تجاوز العقود الثلاثة، وأن الثورة الجنوبية السلمية قد جاوز عمرها عقد ونصف، وأن المطالبة باستعادة دولة الجنوب بدأت في مايو 1994م؟

هل تتذكرون أن المليونيات الجنوبية السلمية بدأت في العام 2007 عندما كنتم تقولون: إن علي عبد الله صالح خط أحمر، وتواصلت بعد أن ثرتم عليه وحاولتم تفجيره وقتله أثناء صلاة الجمعة داخل المسجد؟ واستمرت بعد أن وصفتموه بالانقلابي، واتسعت بعد مقتله حينما أسميتموه بــ"الشهيد" وفي كل هذه المراحل لم يكن للجنوب والجنوبيين أي نصير سوى إرادتهم وإيمانهم بعدالة قضيتهم؟ هل نسيتم كل هذا أم إنكم تتعمدون القفز عليه وتعتقدون أن الشعب الجنوبي لا يطالب بحقه إلا في إطار مؤامرة أجنبية تستهدف وحدتكم وتماسككم وسكينتكم ونعيمكم وازدهاركم ورفاهيتكم التي لا يراها أحد سواكم؟

إذا كنتم لا تعلمون بهذا فانشطو وابحثو وفكروا، طالما أسميتم أنفسكم "ناشطين" و"باحثين" و"مفكرين" أما إذا كنتم تعلمون هذا وتقفزون عليه، وهو الاحتمال الأرجح فاعترفوا بالحقيقة وكفوا عن الإساءة لمن دعمكم ومد يد العون لكم حينما هرب قادتكم متسللين أو متنكرين.