اتفاق الرياض.. الفرص والتحديات

بعد التوافق على آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض تنفس الكثير من المواطنين (الجنوبيين على وجه الخصوص) الصعداء بافتراض أن الاتفاق أخيرا سيجري تنفيذه بعد انقضاء ستة أشهر على موعد تنفيذ آخر فقرة في بنوده كما حدده النص الأصلي، . . . ستة أشهر مليئة بالعذابات والمواجهات والمعانيات والآلام والعقوبات (المعلنة وغير المعلنة) التي تعرض لها مواطنو الجنوب بسبب تعطيل الاتفاق.

نعم لقد كان ممكننا تنفيذ الاتفاق وفقا للجدول الزمني وكان يمكن أن يحقق مكسبا ليس فقط لمواطني الجنوب بل لجميع الموقعين عليه، لكن العابثين والمستفيدين من انهيار الدولة واستشراء الفساد فضلوا تعطيل تنفيذ الاتفاق وبدلاً عنه أشعلوا الحروب الداخلية ضد أبناء المناطق الجنوبية (التي يسمونها بالمحررة).

وبالعودة إلى موضوعنا فإنه يمكننا استعراض بعضٍ الفرص التي يمكن أن تتحقق من خلال تنفيذ اتفاق الرياض والمخاطر أو التحديات التي يمكن أن تعيد محالاوت التعطيل من جديد.

فرص التنفيذ:


عندما نتناول فرص تنفيذ اتفاق الرياض فإننا ننطلق من افتراض حسن النية والصدق مع النفس ومع الشركاء ومع رعاة الاتفاق على وجه الخصوص، وفي هذه الحالة فإن فرص نجاح التنفيذ تظل قائمة ومتوفرة وأهمها:

1. توحيد جبهة القوى الرافضة للانقلاب الحوثي والرافضة بشكل عام للمشروع الإيراني في المنطقة، وهي فرصة لاختبار صدقية مواجهة هذا المشروع، وكشف من يتردد أو من يقول شيئا ويفعل عكسه.

2. المواجهة الجادة للجماعات الإرهابية من خلال تضييق الخناق عليها وقطع دابر أنشطتها وحماية الوطن والمحيط الإقليمي من أعمالها الإرهابية.

3. إعادة الخدمات الأساسية (كهرباء، مياه، بلدية، صحة، تعليم والتموين بالوقود والمواد الحيوية الضروية) إلى العاصمة عدن وبقية مدن ومحافظات الجنوب، وتفعيل المنظومة الإدارية والنيابة العامة وجهاز القضاء، بما يحقق ليس فقط مصالح المواطنين، بل ويعيد للسلطة الشرعية بعضاً من سمعتها التي تآكلت على مدى ست سنوات من الفشل، وبما يوفر أرضية للسلام الداخلي لمعسكر الشرعية، ويضاعف فرص المواجهة الجادة مع الانقلاب والإرهاب.

4. إعادة تفعيل منظومة الحقوق، وأهمها حقوق الموظفين والمتقاعدين في المرتب الشهري المتوقف على البعض أشهرَ طويلة والبعض سنوات متواصلة، ومحاربة الجريمة ومقاومة ظواهر السطو والبسط والبناء العشوائي وانتهاك حقوق وحريات الناس من قبل الجماعات المنفلتة
وهناك مجموعة من الفرص المتصلة بالأشقاء في دول التحالف العربي، والأمر هنا يتعلق تحديداً بالأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الذين يتحملون الكثير من الأعباء المادية والمعنوية والدبلوماسية، ويتعرضون للكثير من الضغوط من أصدقائهم ومن خصومهم بدوافع التشهير واللابتزاز والإساءة، حيث سيوفر نجاح الاتفاق فرصا لترجيح كفة التحالف العربي في مواجهة المشاريع المعادية، وتقليص النفقات الهائلة التي تهدر على اليمن بلا فاعلية ملموسة تخدم المشروع العربي.

التحديات

إن ما أعلن من مبادرة التسريع، لم يقدم وصفةً تفصيلية لبنود وملحقات الاتفاق، ومن الواضع أن الاتفاق على اسم رئيس الوزراء وتعيين محافظ ومدير أمن للعاصمة عدن، لا يشكلان إلّا جزءً ضئيلا من الملحق السياسي وجزء من حزمة كاملة من الإجراءات المتعلقة ببقية بنود الملحقين الأمني والعسكري والملحق الاقتصادي، وما يتعلق بتفعيل المجلس الاقتصادي والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وهي قضايا ينبغي أن يتم التعامل معها بدقة ومسؤولية وصرامة من قبل رعاة الاتفاق.

إن التحديات أمام الآلية التسريعية لاتفاق الرياض تمكن في الإجابة على الأسئلة التالية:

1. هل سيتعامل الطرف الحكومي ببجدية مع بند سحب القوات الشمالية من كل محافظات الجنوب والتوجه بها شمالا باتجاه المواجهة مع المشروع الانقلابي؟

2. هل سيكف الإعلام الداعم لبعض أجنحة الشرعية والمدعوم منها عن التهجم على دول التحالف العربي والانتقال لفضح وتعرية الانقلاب والانقلابيين، بدلا من مهاجمة الجنوب والمجلس الانتقالي الجنوبي؟

3. هل ستحدد الشرعية موقفا واضحا من أنصار المشروع التركي العاملين لديها بدرجات مختلفة (وزراء، أعضاء مجلس شورى، مستشارين، نواب وزراء، . . .إلخ)ن المشروع المتظافر مع المشروع الإيراني، ومن ثم هل ستتوقف التحالفات السرية بين بعض أجنحة الشرعية والانقلابين؟

4. هل سيتبرأ القادة العسكريون للقوات الشمالية من الجماعات الإرهابية (داعش والقاعدة وأنصار الشريعة) ويساهمون في الحرب الجدية ضدها أم إنهم سيحتفظون بها كقوة احتياطية للغدر بالشريك الجنوبي وتهديد وابتزاز دول التحالف بها عند اقتضاء الحاجة؟

5. هل سيقدم الوزاء الشماليون الحزبيون لعدن ومدن الجنوب الخدمات المنتظرة منهم والتعامل مع الجنوب كوطن ومواطنين أم إنهم سيظلون متمسكين بسياسات أحزابهم المعادية في الغالب للجنوب والجنوبيين؟ وهل سيقتنع هؤلاء بأن إعادة إعمار الجنوب خدمة ضرورية ووظيفة رئيسية لهم أم سيظلون يبتزون الجنوب والجنوبيين اعتقادا بأن استمرار حرب الخدمات سيحمي مخرجات حوار صنعاء ممن الفشل وسيحمدي الوحدة التي افتقدت قدرتها على الحياة؟

6. وأخيرا هل سيتخلى شركاء الشرعية عن ثقافة تصنيم وتقديس نتائج حرب 1994م على الجنوب والاعتراف بفشل كل المحاولات الترقيعية لمعالجة القضية الحنوبية سواء من خلال تشكيل اللجان معدومة السلطة، أو نظام الأقلمة، ومن ثم الإقرار بحق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره بلا وصاية من أحد وبلا تبعية لأحد؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة هي ما تحدد نوع التحديات التي تقف أمام رعاة اتفاق الرياض والقوى المتمسكة به وخصوصا الطرف الجنوبي الذي لم يوقع اتفاقا إلا وتقيد ببنوده مهما كانت التنازلات التي سيقدمها، فالإجابة بنعم والالتزام بتفعيل هذه الـ"نَعَمْ"، ستجعل طريق التنفيذ سلساً ومفتوحاً، أما الحذلقة والتنصل والتهرب من الإقرار برفض الاتفاق واللجوء إلى العبارات الزئبقية والمنشورات المطاطية فلن تعني سوى انتظار المزيد من الممارسات لإفشال الاتفاق للمرة الثانية، وقد تكون الأخيرة.