هل تنجح لبنان في الكشف عن مصابي كورونا عبر الكلاب البوليسية ؟

السبت 26 سبتمبر 2020 21:14:12
هل تنجح لبنان في الكشف عن مصابي كورونا عبر الكلاب البوليسية ؟

تتنامى المخاوف حول ارتفاع أعداد الإصابة بفيروس كورونا المستجد في الآونة الأخيرة، وبعد ‏أن فتحت بعض الدول الطيران ورفعت بعض القيود يأتي التساؤل هل ستعود هذه الدول لفرض ‏قيود جديدة؟

للإجابة عن هذا السؤال فعلينا أن نعرف أن نتيجة فحص كورونا تتطلب ساعات عدة عامةً، وقد ‏لا يكون من الممكن انتظارها في بعض الظروف، ولكن كل ذلك قابل للتغيير، نتيجة تقنية جديدة ‏توصل إليها الطبيب اللبناني الاختصاصي في جراحة الأورام السرطانية ومدير الأبحاث الطبية ‏بين لبنان وفرنسا، رياض سركيس، بعد سنوات من البحث والدراسات، تسمح بالكشف عن ‏إصابات كورونا باللجوء إلى الكلاب المدربة خصيصاً لهذه الغاية‎.‎

السرطان وكورونا وأمراض أخرى تكشفها الكلاب

يستعد لبنان قريباً لاعتماد الكلاب المدربة في المطار على أن تعتمد أيضاً في أماكن أخرى عدة ‏تبرز فيها الحاجة إليها. وقد استقدم المطار بيوتاً خاصة بالكلاب تمهيداً لاقتنائها، حتى تعرض ‏رائحة المسافر على الكلب للكشف عما إذا كان مصاباً أو لا، من دون أن يرى المسافر الكلب ‏الموجود في المنطقة المخبرية. أما خارج المطار فكان الطلب مرتفعاً على التقنية وعلى نطاق ‏واسع في مصارف معينة وفنادق ومستشفيات ومدارس، وفق سركيس. كما بدأ اعتمادها في دبي ‏وأبوظبي بعد أن قام سركيس بتدريب الفرق المختصة. وجذبت هذه الفكرة دولاً عدة بدأت ‏تعتمدها من أميركا اللاتينية وأوروبا الشمالية ونحو 62 دولة من أفريقيا وأستراليا وكندا ودول ‏عربية، كلها أظهرت اهتماماً لاعتمادها في المطارات وفي الأماكن السياحية وأماكن التجمعات ‏الكبرى بهدف الكشف عن الفيروس بأسرع وقت ممكن، إذ يمكن للكلب المدرب لهذه الغاية أن ‏يكشف عن الإصابة خلال ثوانٍ معدودة بدلاً من انتظار ساعات إلى حين صدور نتائج الفحوص ‏المخبرية، ما يسمح بمواجهة الوباء والحد من انتشاره‎.‎

في الواقع، ليست هذه التقنية وليدة هذه المرحلة، بل بدأت الأبحاث المتعلقة بها منذ سنوات ‏مضت. وقد بدأ بها سركيس منذ 12 سنة لكشف الأمراض المزمنة، خصوصاً السرطان، ويستند ‏فيها إلى علم الـVOCs، وهي عبارة عن رائحة الجلد الناتجة عن تغيير في تحركات الخلايا، ‏فتعطي علامة محددة وخاصة لكل خطأ جيني‎.‎

وبحسب ما يوضح سركيس في حديث لـ"اندبندنت عربية": "يُعطي كل من أنواع السرطان رائحة ‏خاصة به. كذلك بالنسبة للأمراض الأخرى كالباركنسون، وداء ألزهايمر والتصلب اللويحي. ‏عندما بدأ انتشار وباء كورونا وبدأت تظهر تداعياته الخطيرة، فكرت مباشرةً بإمكان وجود‎ ‎VOCs ‎خاص بالفيروس". أجريت الدراسة وتحققت من ذلك، وأعلنت للبيت البيطري في باريس ‏عن نيتي بالمضي قدماً في مشروع الكشف المبكر عن الفيروس من خلال رائحة الجلد باعتماد ‏الكلاب البوليسية. حصل التعاون مع البروفسور البيطري دومينيك غرانجان وكانت تجربة ‏ناجحة بعد أن دربت الكلاب التي أمنها البيت البيطري. وأضحى كشف كورونا سهلاً بعد تدريب ‏الكلاب‎.‎

وبعد هذه المرحلة، أجريت دراسة في فرنسا ولبنان على نحو 500 مصاب بكورونا، وكانت ‏تجربة ناجحة بنسبة 100 في المئة باللجوء إلى كلبين بوليسيين خضعا للتدريب في لبنان. كما ‏أجري بعدها الاختبار السريري على عدد كبير من المرضى، وتأكدت الدقة المطلقة لهذه التقنية، ‏حيث لا مجال فيها للخطأ. وحاز المشروع على دعم الدولة الفرنسية وأجريت التدريبات ‏للمختصين في تدريب الكلاب البوليسية لكشف كورونا بشكل خاص‎.‎

وقد تطرح تساؤلات حول مدى دقة التقنية في التطبيق، فهل من مجال للخطأ في كشف الفيروس ‏كونها ترتكز حصراً على حاسة الشم لدى هذه الكلاب البوليسية المدربة؟ يؤكد سركيس أنه ما من ‏مجال للخطأ أو الالتباس هنا. فلا يمكن أن يخطئ الكلب ويمزج بين الإصابة بالتهاب آخر ‏والإصابة بكورونا مثلاً. فهذه التقنية أولاً وآخراً خاصة بكورونا. ومن المؤكد أنها تمتاز بدقة لا ‏متناهية ويمكن للكلب المدرب مسبقاً على ذلك أن يكشف كل مصاب بكورونا ويستحيل أن يخطئ ‏مرة في الكشف. وتبدو هذه التقنية أكثر دقة من فحص‎ PCR ‎الذي يصل احتمال الخطأ فيه إلى ‏نسبة 30 في المئة. وإذا كان مجال الخطأ غير ممكن في حال الإصابة بالفيروس، قد يكون ممكناً ‏بنسبة خمسة أو عشرة في المئة في الحالات السلبية، فيشير الكلب إلى الإصابة. ويحصل ذلك ‏بحسب سركيس، بسبب طريقة تدريب الكلاب البوليسية في الأصل لكشف المخدرات مثلاً. هي ‏تدرب لدواعٍ أمنية وقد يحصل الالتباس من هذه الناحية فقط. يرتبط ذلك بالتدريب، لا بالكلب ‏نفسه لأنه لا يخطئ أبداً. كما قد تلتبس الأمور لدى الكلب أيضاً بحسب التجربة في حالة أخرى. ‏فيعطي نتيجة إيجابية في حال عدم الإصابة إذا كانت سيدة في فترة الإباضة ربما بسبب ‏التفاعلات المتضاربة مع رائحة كورونا الناتجة عن ارتفاع معدلات الـPheromone.‎

تقضي هذه التقنية بأخذ عينة من موضع يتعرض فيه الشخص للتعرق كمنطقة تحت الإبط أو ‏العنق، حيث تظهر رائحة الجلد من دون أن تحتوي على فيروس. بهذه الطريقة يمكن كشف ‏الجزيئات المناعية من الفيروس والتي بدورها تسمح بكشف الإصابة. ويشير سركيس إلى أن ‏حاسة الشم لدى الكلب تسمح له بتكبير الجزيئات 10 آلاف مرة ما يؤكد على مدى دقة التقنية. في ‏المقابل، يشير إلى أن الدول التي حاولت اعتماد أي من تقنيات كشف الفيروس بالبول أو اللعاب ‏كبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، فشلت وتتجه حالياً إلى تقنية الكلاب المدربة لكشف ‏الإصابات بكورونا نظراً لدقتها‎.‎

ووفق ما يوضحه سركيس، فقد تكفل هذه التقنية وقف انتشار الوباء حول العالم وإنقاذ آلاف ‏الأرواح في حال اعتمادها على نطاق واسع‎.‎

هكذا تدرب الكلاب

الظروف المرافقة لانتشار الوباء وزيادة الضغوط الناتجة عن ذلك تستدعي اعتماد الكلاب ‏البوليسية المدربة مسبقاً لتسريع عملية التدريب على كشف كورونا خلال شهر أو اثنين لا أكثر. ‏الكلاب العادية يمكن تدريبها أيضاً على كشف كورونا فتكون متخصصة في ذلك، ولكن ذلك وقتاً ‏أطول‎.‎

ووفق ما يوضحه مدرب الكلاب ماريو عيسى صاحب مدرسة تدريب الكلاب البوليسية في ‏إحدى المناطق اللبنانية، بعد هذا التعاون الفرنسي اللبناني بين البروفسورين غرانجان وسركيس، ‏لاعتماد التقنية التي تعتمد على الكلاب المدربة لكشف كورونا، دربت الكلاب البوليسية في ‏المدرسة على هذا الأساس، علماً أن هذه الكلاب مدربة أصلاً على كشف المتفجرات والمخدرات. ‏وبالتالي لم يكن تدريبها على كشف كورونا صعباً على حد قوله، لأن الأمور لا تختلف كثيراً لها. ‏هي مدربة أصلاً ويمكن أن تبلغ هذه المرحلة لكشف الفيروس خلال شهرين كحد أقصى. أما لو ‏لم تكن الكلاب مدربة سابقاً، فقد يتطلب تدريبها على كشف كورونا أكثر من ثلاثة أشهر. ويشير ‏عيسى في حديثه إلى أن التدريب يحصل بوجود الفريق الطبي وبالتعاون معه لأخذ عينات من ‏مصابين بكورونا حتى يميز الكلب ما بينها وبين العينة التي لشخص غير مصاب "السر في ‏تحقيق نتيجة أكثر دقة في مهارة المدرب ومعرفته معدل الطاقة للكلب. فيعرف أن الكلب يبقى ‏قادراً على العمل بطاقة قصوى هنا حتى 20 دقيقة. وبالتالي يجب عدم تخطي هذه المدة تجنباً ‏للخطأ. مع الإشارة إلى أن الفريق يعمل مع عدد كبير من الكلاب كي يتسنى تبديلها بأخرى عندما ‏تتعب‎".‎

وتتجه الأنظار إلى هذه التقنية وإلى كل وسيلة يمكن أن تساهم في الحد من الانتشار المرعب ‏للوباء حول العالم. فهل سيساعد الاعتماد عليها على احتواء الوباء؟