شعاران للتأمل: حول ماضي وحاضر علاقة الجنوب بمحيطه العربي

للتذكير .. في زيارتنا لمرتفعات المهرة في سدفان ومرارة وكعب يوم أمس الأول وجدنا بقايا وأطلال المباني العسكرية المتواضعة للواء 22 لجيش اليمن الديمقراطية الذي كان يرابط في هذا الموقع حتى عشية الوحدة المشؤمة.

هنا وجدنا شعاراً محفوراَ في لوحة اسمنتية في حالة جيدة في واجه أحد المباني التي شيدتها سواعد أفراد وضباط اللواء 22، كما هو مدون في العام 1989م، يقول الشعار:"ستظل وحدة الشعب اليمني وتقدمه الاجتماعي هدف الأقلام الشريفة وستظل الكلمة مجزأة الحرف ركيكة المعنى إذا لم تكن من أجل الشعب"..كُتب هذا الشعار في عز الاندفاع المتسرع نحو الوحدة التي كانت حلماً جميلاً وهدفاً سامياً ناضل الجنوبيون وضحوا من أجله بدولة ذات سيادة، ثم فقدوا الدولة والنظام والقانون، وعادوا القهقري إلى مضارب القبيلة البغيضة والتخلف والثارات وما لا يحصى من المآسي والويلات.
بقي نص الشعار لذكرى لم يعد لها معنى أو قبول في نفوس الجنوبين، بل يمتعضون منها ويعضون أنامل الندم لخيبة أملهم بعد تجربتهم المريرة معها ومع شركاء الغدر والمكر، فقد فشلت تجربة الوحدة المتسرعة التي سلقت بين عشية وضحاها في عام 1990م، واُجهضت في حرب 94م، ولفظت أنفاسها في غزو الجنوب عام 2015م، ولم يعد لها وجود على الأرض بعد أن أحكم الحوثيون قبضتهم على معظم أراضي الجمهورية العربية اليمنية.

الشعار الثاني الذي بقي منحوتاً في الطرف الآخر من تلك اللوحة الإسمنتية وبالألوان هو شعار المنجل والمطرقة، الذي يذكرنا بمرحلة الاستقطابات الدولية في زمن الحرب الباردة حينما غردت بلادنا (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) خارج سرب محيطها العربي الذي لم يعترف أو يحتضن تلك الدولة الوليدة فارتبطت بعلاقة وثيقة مع الاتحاد السوفيتي السابق الذي انهار في عقر داره وأصبح في خبر كان، وتغيرت خارطة تحالفات دوله المتعددة وفقاً لمصالحها الوطنية، وليس وفقا للاعتبارات الأيديولوجية كما كان الحال في زمن الحرب الباردة.
ما لفت انتباهنا بقاء الشعارات والرسومات المعبرة والشاهدة عن مرحلة مضت وانقضت بكل ما لها وما عليها..لكن لا بأس أن نتذكر ليتعظ الجنوبيون من عبر ودروس الماضي القريب، ويتوحدون بكل أطيافهم للتفكير بمستقبل الجنوب الجديد الذي ننحت في الصخر من أجل إشراقته وضحى من أجله شعبنا بقوافل من الشهداء والجرحى.

ولا شك أن عاصفة الحزم وتطورات الأحداث خلال السنوات الخمس قد بيّنت الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وأصبح الشمال الآن يدور في فلك ولاية الفقيه الذي رهن الحوثيون أنفسهم لتبعيتها المطلقة كرأس حربة لتحقيق أجندة اسيادهم جنوب جزيرة العرب.
بينما الجنوب بكل أطيافه على النقيض من ذلك تماماً رحب بعاصفة الحزم، بل أثبت الجنوبيون أنهم شركاء أوفياء لقوات التحالف العربي وتقدموا الصفوف لإحراز النصر، وما زالوا ثابتين في مختلف الجبهات لمواجهة خطر الغزاة الحوثيين. وهذا يبين أن شعبنا الجنوبي ينتمي إلى محيطه العربي ويتطلع، من خلال قيادته الممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، إلى مساعدة الأشقاء في بناء دولته التي يرغبون أن تكون جزءاً من محيطها العربي والخليجي ومن منظومة الأمن القومي العربي لحماية أمن منطقتنا الاستراتيجي وطُرق الملاحة الدولية ضد أية مخاطر تهددها.

وعلى الأشقاء في التحالف العربي أن يأخذوا بعين الحسبان دروس التاريخ والاتعاظ من عبره حتى لا تتكرر مآسيه التي تلوح بوادرها في خروج الشمال عن محيطه العربي بعد احكام الحوثيون قبضتهم عليه باستثناء اجزاء من مارب والجوف والساحل الغربي ، وعليهم أن لا يخذلوا الجنوب الوفي للتحالف وللمشروع العربي والكرة بأيديهم، خاصة وأن هناك قوى دولية وإقليمية تتربص بنزع الجنوب عن محيطة العربي لتحقيق مصالحها وتقوية نفوذها، ولا تخفى أطماع الأخوان المسلمين لتحقيق أجندة أردوغان على حساب المشروع الوطني والأمن القومي العربي.
فهل من مُدَّكِر؟!.