توكل كرمان.. و«عيالها»

مع تنصيب الرئيس جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، ظهرت توكل كرمان من بين ركام دمار السنوات العشر، التي زلزلت العالم العربي، في ما أُطلق عليه بـ«الربيع العربي». فعلى مجلة «تايم» الأميركية، وفي هذا التوقيت المتزامن مع كل التقاطعات، تباهت «النوبلية» بسقوط سبعة عواصم عربية في حروب أهلية أسفرت عن ملايين اللاجئين، ومئات الآلاف من القتلى والمشردين، وتفاقم معدلات الفقر والبطالة والجوع والجهل، مدعية أن هذا المنجز يستحق الاحتفاء والتباهي به مع وصول بايدن للبيت الأبيض في إيحاء على ما يبدو، بأن موجة ثانية من رياح «الربيع العربي» ستضرب المنطقة العربية مجدداً.

قد يرى البعض أنه من المبالغة التركيز على حديث كهذا، لشخصية عُرفت بنهجها العدائي وخطابها المأزوم. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع الإشارة بأن توكل كرمان ليست الوحيدة التي أظهرت النوايا لسنوات بايدن الأربعة، وتأكيد أنها استكمال لعهدة باراك أوباما الثمانية، على اعتبار ما أشارت له وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون بتغريدة تحث فيها على مشاهدة فيلم وثائقي عن مقتل جمال خاشقجي، هل هناك بالفعل موجة ثانية ستهب على المنطقة العربية أم أن الأمر فيه استهلاك إعلامي لا أقل ولا أكثر؟، وبين الاحتمالين هناك حقيقة أن الشرق الأوسط بالفعل تغير ولم يعد هو ذلك الذي كان في 2010، وهذه الحقيقة التي يُراد إخفاؤها بكل المؤثرات المتاحة.

نجحت قوى الاعتدال العربي من امتصاص بعض تأثيرات الموجة الأولى لـ«الربيع العربي»، واستطاعت على الأقل من إرسال رسالة للمواطن العربي، بأن حوائط معقل الاعتدال العربي في العاصمة الإماراتية أبوظبي قادرة على صد الموجات العابرة من رياح الفوضى، ولعل هذا المضمون سيظل نواة لمشروع أوسع فكرياً وسياسياً تتطلع له الشعوب الشرق أوسطية لتوسيعه في مواجهة مباشرة مع المشاريع المضادة، وعلى رأسها مشروع الإسلام السياسي بشقيه السُني والشيعي، ولذلك لابد من استيعاب المتغير الجيوسياسي، الذي أحدثه قرار الإمارات بعقد اتفاق سلام مع إسرائيل، وما تبع ذلك من تغيرات في موازين القوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

من المؤكد أن العقلانية في مواجهة خطاب الكراهية القادم من شخصيات محسوبة على التيارات الإسلاموية، لا يجب أن تكتفي بالرصد والاحتواء بمقدار موجبات استحضار الأدوات في صد الهجمة المنتظرة تحت أي عناوين كانت، فالتحولات التي حدثت في عهدة الرئيس ترامب ليست بالدرجة الكافية لتوقف مطامع إيران وتركيا في المشاريع التوسعية واستعادة الإمبراطوريات التاريخية الزائلة، حتى وإنْ قلصت القيادات السياسية الإيرانية والتركية تلك الرغبات، فأن أمثال «توكل كرمان» وعيالها، سينفخون في ما تحت الرماد ليعيدوا اشعال الجمر، الذي لم يطفأ حتى وإنْ مرت سنوات على خفوته.

توكل كرمان و«عيالها» يمثلون حشوداً هائلة من المغسولة عقولهم بالخرافات والخزعبلات ومنهم المنتفعون من تجار الحروب والأزمات فبمجرد النظر لليمن والعراق وليبيا ولبنان وسوريا يمكن اكتشافهم ومعرفتهم فهؤلاء لا يستطيعون العيش بدون الأزمات حتى وأن لم يكونوا من المؤدلجين. فالارتزاق من الأزمات يعد جزءا من الايديولوجية فهنا تتزاوج المصالح وتترابط لتشكل حزام يشتد على خواصر الأوطان والدول يضمن استدامة الصراعات لتحقيق أهداف توكل كرمان و«عيالها»، ومن فوقهم آبائهم في أنقرة وطهران.

لن يحتمل العالم العربي موجة ثانية من الجنون والتهاب النيران بشعارات الديمقراطية المزيفة، التي تكفلت بتدمير الأوطان وزعزتها في سبيل إقامة المشاريع الإسلاموية العابرة للحدود الوطنية وغير العابئة بحقائق التاريخ ومتغيراته وواقع الحال الناشئ في المنطقة العربية.