عام الحقيقة التي تنفخ في بوقها

بدأ عام جديد. أتراه سيكون تتمة بإيقاعه ومحتوياته لما سبقه من أعوام كانت بالنسبة للعالم العربي بمثابة نوع من الزمن التالف الذي لا قيمة له؟

فشلُ الربيع الربيعي تم إعلانه من خلال وثيقة موته في سوريا بعد أن سلمها لهلاك الجزء الأكبر منها من غير أن يقضي على الأمل في أن تستعيد جزءا مما كانت عليه قبل وقوعه.

صحيح أن مصر تحررت من أوهام ذلك الربيع الكاذب سنة 2013 غير أن تونس لا تزال تتعثر بالكذبة الصاعقة التي كان أشعلها حريق محمد البوعزيزي، الشاب الذي قاده الفقر إلى الانتحار حرقا. لقد ابتذلته آلة الدعاية حتى حولته إلى أيقونة للفوضى، التي ستقود إلى تخلخل ثقة التونسيين بأنفسهم ومستقبل بلادهم من خلال ما ظهر على الساحة السياسية من أحزاب، ليس في إمكانها الانتهاء من مشكلة الحكم.

الربيع العربي كان في حقيقته خرابا عربيا تجلت ملامحه في ليبيا واليمن بشكل مريع، يبدو كما لو أنه صورة عن اللاخلاص.

سقطت فيه الأنظمة الشمولية. حسنا، كان ذلك تحولا نافعا. ولكنه كان في الوقت نفسه النفق الذي أطلت من خلاله الوحوش الإخوانية على الحياة العامة بوجوهها الكالحة التي تعود إلى ما قبل قيام المجتمعات الحديثة.

مرت عاصفة الربيع العربي. ذلك مؤكد. الدليل على ذلك يمكن استنتاجه من فشل مؤسسات دعاية عربية وغربية في إعادة إنتاجه أو العمل على تأهيله مرة أخرى من خلال صياغة صور جديدة تضفي على صورته القديمة شيئا من اللمعان يحرره من صبغة الإرهاب.

سيكون عام 2019 فسحة لاستدراك سوء الفهم الذي وقع فيه الجميع. لا يكفي أن نقول إن اللعبة كانت أكبر من الجميع لنغطي على سذاجة الوعي العربي في تعامله مع قضاياه المصيرية الحساسة. ذلك الحكم لا يشمل الشعوب وحدها بل وأيضا الحكومات التي لم تكن بحجم المسؤولية التاريخية بل كانت على العكس من ذلك تماما حين كشفت عن انفصالها عن شعوبها وعن العالم في الوقت نفسه. فجأة أفلتت أنظمة سياسية الخيوط من أيديها بعد أن كانت تتوهم وتوهم شعوبها بأن كل شيء لا يزال تحت السيطرة. كانت ضربة غير متوقعة قد أطاحت بزعماء أضفت عليهم آلات دعايتهم هالات من العظمة التاريخية.

يومها ضاع جزء كبير من تاريخنا. خسرنا ما تربينا عليه من المفاهيم الوطنية التي لم تعد لها قيمة بعد أن تخلينا عن العمود الفقري الذي كانت تستند عليه. حتى صار البعض يسخر من وطنيته السابقة.

سخر الكثيرون من عروبتنا واعتبروها مرحلة تجريبية فاشلة لم ينتج عنها إلا طغاة ريفيون غمروا حياتنا بالخوف غير أنهم لم يحتسبوا ليوم، يكونون فيه وحيدين إن لم نسرع لنجدتهم.

لقد خُيل إلينا أننا نقف على أرض صلبة ما دامت علاقتنا بتراثنا قوية ولم يخطر في بالنا أن ذلك التراث الذي كان يلمع ذهبه في عيوننا كان يتضمن أيضا من بين مواده الكثير من الصدأ الذي سيستعمل من أجل بث العمى في عيوننا. وهكذا عمينا مرات عديدة قبل أن نضع أيدينا على حقيقة هويتنا التي لم تكن تعرّف بنا بقدر ما كانت تهب الوحوش التي تقيم في تراثنا فرصة للكلام كما لو أنها نحن.

التهمنا سوء الفهم وآن لنا أن نصحح الموقف.

فإذا كان الربيع العربي قد أوهمنا بقوة لم نكن نملكها واقعيا فإن تلك القوة لم تكن وهما بالرغم من أنها كانت دائما قوة معطلة. وهو ما يجب أن نفاجئ أنفسنا به حين نعي أنه كان في إمكاننا أن نصنع التحول الذي يليق برغبتنا في التغيير. تلك القدرة التي استعملت ضدنا من شأن عودتها إلينا أن تحدث التحول الحقيقي الذي لا يشبه الفوضى في شيء ولا يثني عليها.

لم يكن الربيع العربي كله خرابا. كان أيضا فرصة لكي تنفخ الحقيقة في بوقها لتوقظنا من سباتنا.

*كاتب عراقي