رمضان جانا ..!

* عادة دأبت عليها صغيرا، وصارت جزءا من تكويني كبيرا، تتعلق باستنساخ رمضان زمان، حين كان الشهر الكريم يدخل ديارنا بزفة فرح لا توصف.
* لست من تلك الكائنات التي ترى في رمضان نوما في النهار وسهرا في المساء، مازلت أسيرا لطقوس رمضان زمان، أستمتع بجوع الظهيرة القارص للبطن، وأتلذذ بعطش الأصيل المتشبع بالتلاوة والتدبر في جمال وأهداف هذا الشهر الوحيد الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز، الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.

* الصيام أكسير الحياة، صحة للبدن وتطهير للنفس الأمارة بالسوء والفتن، لا يعني أن تقضي نهارك عابسا مقطب الجبين بحجة أنك صائم، ولا يعني أن تتحول عند الإفطار إلى (أشعب)، تنهال على المائدة دون مراعاة حقيقة أن المعدة ثلثها للطعام وثلثها للماء وثلثها للهواء.
* من عادتي دائما الاستماع للصوت المرنم للشيخ (النقشبندي)، أشعر به ينقل لنا رسالة السماء على مائدة الإفطار قبل أن تبتل العروق ويذهب الظمأ ويثبت الأجر إن شاء الله.

* ومن ابتهالات (النقشبندي) يدور المساء في فضاء الترحيب بهذا الشهر الكريم الذي أوله رحمه ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار.
* مع كل رمضان أشعر أنني في سباق مع العباد الذين يحيون رمضان في العبادة والتباري في فعل الخير، إطعام فقير ذي متربة أو مسكين ذي مسغبة.

* دائما رمضان يحمل للناس ألوانا من الخير والرحمة، ورغم استيلاء مشاكلنا على قلوبنا وانشغالنا عن ديننا بما يخدم دنيانا، إلا أن رمضان يفجر في دواخلنا براكين الخير، تجاه محتاج يعان وجائع يطعم، وعابر سبيل يكرم، ورمضان شهر تلتئم فيه الأسر وتوصل فيه الأرحام، شهر تفتح فيه أبواب الخير وتوصد فيه أبواب النار، كما قال عنه الرسول (صلى الله عليه وسلم).
* لرمضان زمان نكهة خاصة انعكست على ثقافتنا وعلى التطلع للاستفادة من لياليه في جلسات ذات هدف وقيمة، أما رمضان هذا الزمن فقد جعل منه المترهلون شهر المسلسلات، وشهر التباري على (قلة الخير) في دواوين ومقايل الخمول والضمور.

* رمضان هذا أبدو فيه يتيما فاقدا لتجليات الفرحة، فقد تعودت على استقبال رمضان ببانوراما إذاعة عدن، غاب صوتا الراحلة (نبيلة حمود) والباقي بيننا جسدا (محمد سعيد منصر) وهما يطلعان المستمعين على خريطة برامج رمضان الدسمة.
* كم أتمنى العودة إلى زمن طفولتي، عندما كنت أحمل الطبلة وأؤدي دور (المسحراتي) رافعا عقيرتي: قم يا نائم ووحد الدائم، كانت حياة رمضانية بسيطة مفعمة بالقلوب الرقيقة والأفئدة اللينة، مليئة بصفاء النفوس مشبعة بتجليات الروح..

* افتقدنا في رمضان الحاضر لياليه المثيرة حيث المسابقات والندوات ومبادرات الخير، وافتقدنا في نهاره الحركة المصحوبة بالبركة، صرنا نلهث ليلا خلف المسلسلات التافهة والمسابقات العبيطة ومحادثات الواتس والفيس والهدرة الفارغة، نفسي أغني خلف (محمد عبد المطلب) بدموع الفرح: رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه أهلا رمضان.. لكن كيف وإذاعة عدن في المشمش..؟​